كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


زعم بعض شراح المصابيح أنه أراد بالصاحب نفسه، وعنى بقوله‏:‏ فدعوه‏:‏ أنه لا يؤذي في عشرته وأهل بيته وأن من تكلم فيهم بسوء فكأنه وقع فيه وفيه تكلف‏.‏

- ‏(‏د عن عائشة‏)‏ رمز لصحته وهو كما قال فقد قال العراقي‏:‏ إسناده جيد‏.‏

853 - ‏(‏إذا مات صاحب بدعة‏)‏ أي مذمومة بأن لم يشهد لها أصل من أصول الشرع ‏(‏فقد فتح في الإسلام فتح‏)‏ أي أغلق باب الضرر عن الناس سيما إن كان داعية، وفتح باب النفع، فهو استعارة، وذلك لأن موته راحة للعباد لإفتانه لهم وللبلاد والشجر والدواب، لأن ظهور البدع سبب للقحط، فإذا مات جاء الفتح للأنام والأنعام، ومن ترك الاتباع وآثر الابتداع وعدل عن منهج جماعة الإيمان وآثر الإصرار على الطغيان وانهمك في غمرات الضلال وجانب أهل الكمال‏:‏ فحقيق أن يكون موته فتحاً من الفتوحات، ورحمة من الرحمات، فلذلك كان موته عند أهل الإسلام كفتح المدائن العظام والمبتدع يروم هدم قواعد الدين وإفساد عقائد المسلمين فضرره كضرر الكافر بل أشد لأن هذا يستر عدواته ويقاتل أهل الإسلام، بخلاف الكافر‏.‏ وأنشد جمال الإسلام أبو المظفر السمعاني‏:‏

تمسك بحبل الله واتبع الهدى * ولا تك بدعياً لعلك تفلح * ولذ بكتاب الله والسنن التي

أتت عن رسول الله تنجو وتربح * ودع عنك آراء الرجال وقولهم * فقول رسول الله أزكى وأشرح

ولا تك من قوم تلهوا بدينهم * فتطعن في أهل الحديث وتقدح

إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه * فأنت على خير تبيت وتصبح

المراد بالبدعة هنا اعتقاد مذهب القدرية أو الجبرية أو المرجئة أو المجسمة ونحوهم فإن البعة خمسة أنواع‏:‏ محرمة وهي هذه، وواجبة وهي نصب أدلة المتكلمين للرد على هؤلاء وتعلم النحو الذي به يفهم الكتاب والسنة ونحو ذلك، ومندوبة كإحداث نحو رباط ومدرسة وكل إحسان لم يعهد في الصدر الأول، ومكروهة كزخرفة ‏[‏ص 440‏]‏ مسجد وتزويق مصحف، ومباحة كالمصافحة عقب صبح وعصر ‏(‏قوله ومباحة‏:‏ كالمصافحة إلخ‏:‏ المصافحة المذكورة بدعة مكروهة لأنها مخالفة للسنة الصحيحة وهي ترك المصافحة عقب الصلوات‏.‏ قال ابن الحاج في المدخل‏:‏ وينبغي له - أي للإمام - أي يمنع محدثوه من المصافحة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر وبعد صلاة الجمعة بل زاد بعضهم في هذا الوقت فعل ذلك بعد الصلوات الخمس وذلك كله من البدع وموضع المصافحة في الشرع إنما هي عند لقاء المسلم لأخيه لا في أدبار الصلوات الخمس وذلك كله من البدع فحيث وضعها للشرع نضعها فينهى عن ذلك ويزجر فاعله لما أتى من خلاف السنة اهـ من مدخل الشرع الشريف ص 219 ج 2 طبع مصر‏)‏ وتوسع في لذيذ مأكل وملبس ومسكن ولبس طيلسان وتوسيع أكمام ‏(‏قوله وتوسيع أكمام‏:‏ هو من الاسراف المنهي عنه وحكمه الكراهة كتطويل الازار عن الكعبين إن كان من غير خيلاء والا فيحرم كما هو مقرر في الشرع الشريف‏)‏ ذكره النووي في تهذيبه‏.‏

- ‏(‏خط عن أنس‏)‏ قال مخرجه الخطيب الإسناد صحيح والمتن منكر‏.‏

854 - ‏(‏إذا مات ولد العبد‏)‏ أي الإنسان ولو أثنى ‏(‏قال الله لملائكته‏)‏ الموكلين بقبض الأرواح ‏(‏قبضتم ولد عبدي‏)‏ أي روحه ‏(‏فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمرة قؤاده‏)‏ أي نتيجته كالثمرة تنتجها الشجرة ‏(‏فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع‏)‏ أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏ قال الطيبي‏:‏ رجع السؤال إلى تنبيه الملائكة على ما أراد اله من التفضل على عبده الحامد لأجل تصبره على المصائب وعدم تشكيه بل إعداده إياها من النعم الموجبة للشكر ثم استرجاعه وأن نفسه ملك لله وإليه المصير، وقال أولاً ‏:‏ ولد عبدي‏:‏ أي فرع شجرته ثم ترقى إلى ثمرة فؤاده أي نقاوة خلاصته فإن خلاصة المرء الفؤاد إنما يعتد به لمكان اللطيفة التي خلق لها فحقيق لمن فقد تلك النعمة فتلقاها بالحمد أن يكون هو محموداً حتى المكان الذي يسكنه ولذلك قال ‏(‏فيقول الله تعالى‏)‏ لملائكته‏)‏ أو لمن شاء من خلقه ‏(‏ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة‏)‏ يسكنه في الآخرة ‏(‏وسموه بيت الحمد‏)‏ أخذ من تسميته به أن الأسقام والمصائب لا يثاب عليها لأنها ليست بفعل اختياري بل هو على الصبر وهو ما عليه ابن السلام وابن القيم قالا‏:‏ فهو إنما نال ذلك البيت بحمده واسترجاعه لا بمصيبته، وإنما ثواب المصيبة يكفر الخطايا لكن الأصح خلافه‏.‏

ظاهر ترتيب الأمر ببناء البيت على الحمد والاسترجاع معاً أنه لو أتى بأحدهما دون الآخر لا يبنى له شيء وعليه فكان القياس في وجه التسمية أن يقال سموه بيت الحمد والاسترجاع، لكن الأقرب أن الخصلة التي يستحق بها ذلك إنما هي الحمد‏.‏ وذلك الاسترجاع معه كالتتمة والرديف بدليل إفراده بالتسمية ‏(‏تتمة‏)‏ قال المصنف موت الأولاد فلذ الأكباد ومصابهم من أعظم مصاب وفراقهم يقرع القلوب والأوصال والأعصاب، يا له من صدع لا يشعب يوهي القوي ويقوي الوهي ويوهن العظم ويعظم الوهن مر المذاق صعب لا يطاق يضيق عنه النطاق شديد على الإطلاق لاجرم أن الله تعالى حث فيه على الصبر الجميل ووعد عليه بالأجر الجزيل وبنى له في الجنة ذاك البناء الجليل‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ وكذا الطيالسي والطبراني والديلمي في مسند الفردوس ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ الأشعري قال الترمذي حسن غريب، وهو مستند المؤلف في رمزه لحسنه ورواه أيضاً ابن حبان والإمام أحمد والبيهقي وغيرهم‏.‏

855 - ‏(‏إذا مدح المؤمن في وجهه ربى الإيمان في قلبه‏)‏ أي زاد إيمانه لمعرفة نفسه وإذلاله لها فالمراد المؤمن الكامل الذي عرف نفسه وأمن عليها من نحو كبر وعجب بل يكون ذلك سبباً لزيادته في العمل الصالح المؤدي لزيادة إيمانه ورسوخ إبقائه، أما من ليس بهذه الصفة فالمدح عليه من أعظم الآفات المفضية بإيمانه إلى الخلل ‏[‏ص 441‏]‏ الذي ورد فيه خبر‏:‏ إياكم والمدح ‏(‏تتمة‏)‏ قال في الحكم‏:‏ المؤمن إذا مدح استحيا من الله أن يثني عليه بوصف لا يشهد من نفسه، وأجهل الناس من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس والزهاد إذا مدحوا انقبضوا لشهودهم الثناء من الخلق، والعارفون إذا مدحوا انبسطوا لشهودهم ذلك من الملك الحق‏.‏

- ‏(‏طب ك عن أسامة بن زيد‏)‏ قال العراقي‏:‏ سنده ضعيف‏.‏

856 - ‏(‏إذا مدح الفاسق‏)‏ أي الخارج عن العدل والخبر وحسن زيادة الخلق والحق لأن الفسق خروج عن محيط كالكمام للثمرة والجحر للفأرة ذكره الحراني ‏(‏غضب الرب‏)‏ لأنه أمر بمجانبته وإبعاده فمن مدحه فقد وصل ما أمر الله به أن يقطع ووادّ من حادّ الله مع ما في مدحه من تغرير من لا يعرف حاله وتزكية من ليس لها بأهل، والإشعار باستحسان فسقه، وإغرائه على إقامته‏.‏ وظاهر الحديث يشمل ما لو مدحه بما فيه كسخاء وشجاعة ولعله غير مراد ‏(‏واهتز‏)‏ أي تحرك ‏(‏لذلك‏)‏ أي لغضب الرب ‏(‏العرش‏)‏ واهتزازه عبارة عن أمر عظيم وداهية دهياء وذلك لأن فيه رضا بما فيه سخط الله وغضبه، بل يكاد يكون كفراً، لأنه ربما يفضي إلى استحلال ما حرم الله وهذا هو الداء العضال لأكثر العلماء والشعراء والقراء في زماننا، وإذا كان هذا حكم مدح الفاسق، فكيف بمن يمدح الظالم ويركن إليه وقد قال تعالى ‏{‏ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار‏}‏ قال الزمخشري‏:‏ النهي متناول للانخراط في هواهم والانقطاع إليهم ومصاحبتهم والرضا بأعمالهم والنسبة إليهم والتزيي بزيهم‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر القرشي ‏(‏في‏)‏ كتاب ذم الغيبة ‏(‏هب‏)‏‏.‏

من حديث أبي خلف ‏(‏عن أنس‏)‏ وأبو خلف هذا قال الذهبي قال يحيى كذاب، وقال أبو حاتم منكر الحديث، وقال ابن حجر في الفتح سنده ضعيف ‏(‏عد عن بريدة‏)‏ قال العراقي‏:‏ وسنده ضعيف، وفي الميزان خبر منكر‏.‏

857 - ‏(‏إذا مررت‏)‏ من المرور ‏(‏ببلدة‏)‏ في حال سيرك ‏(‏ليس فيها سلطان‏)‏ أي حاكم وأصل السلطنة القوة ومنه السلاطة لحدة اللسان ‏(‏فلا تدخلها‏)‏ فإنها مظنة البغي والعدوان والتهارج ومن بغي عليه فيها لم يجد ناصراً وإذا نهى عن مجرد الدخول فالسكنى أولى وعلله بقوله ‏(‏إنما السلطان‏)‏ أي الحاكم ‏(‏ظل الله‏)‏ أي يدفع به الأذى عن الناس كما يدفع الظل أذى حر الشمس ‏(‏ورمحه في الأرض‏)‏ أي يدفع به ويمنع كما يدفع العدو بالرمح، وقد استوعب بهاتين الكلمتين نوعي ما عليه الوالي لرعيته‏:‏ أحدهما الانتصار من الظالم لأن الظل يلجأ إليه من الحر والشدة والثاني إرعاب العدو ليرتدع عن أذى الرعية فيأمنوا بمكانه من الشر، والعرب تكنى بالرمح عن الدفع والمنع، قال الماوردي‏:‏ وبالسلطان حراسة الدين والذب عنه ودفع الأهواء عنه، وروى الطبراني أن عمرو بن العاص قال لابنه‏:‏ سلطان عادل خير من مطر وابل، وسلطان غشوم خير من فتنة تدوم، وزلة الرجل عظم يجبر، وزلة اللسان لا تبقى ولا تذر، يا بني‏:‏ استراح من لا عقل له، فأرسلها مثلاً اه، وفي قوله، في الأرض‏:‏ إشارة إلى أن الإمام الأعظم لا يكون في الأرض كلها إلا واحداً، ولهذا قال في حديث آخر‏:‏ إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما‏.‏

- ‏(‏هب عن أنس‏)‏ بن مالك وفيه الربيع ابن صبيح قال الذهبي ضعيف، ومن ثم أطلق السخاوي على الحديث الضعف‏.‏

858 - ‏(‏إذا مررتم بأهل الشرة‏)‏ بكسر المعجمة وشد الراء‏:‏ أي بأهل النشاط في الشر ‏(‏فسلموا عليهم‏)‏ ندباً ‏(‏تطفأ‏)‏ بمثناة ‏[‏ص 442‏]‏ فوق أوله بضبط المؤلف أي فإنكم إن سلمتم عليهم تخمد ‏(‏عنكم شرتهم وثائرتهم‏)‏ أي عداوتهم وفتنتهم والنائرة العداوة والشحناء كما في الصحاح مشتقة من النار، وفيه سعى في إطفاء النائرة‏.‏ أي تسكين الفتنة‏:‏ وذلك لأن السلام أمان فإذا سلمت وردوا فبردهم حصل الأمان منهم، ولأن السلام عليهم يؤذن بعدم احتقارهم فيكون سبباً لسكون شرتهم قال لقمان‏:‏ يابني إذا مررت بقوم فارمهم بسهام السلام، لكن ينبغي مع ذلك الحذر من مخالطتهم والتلطف في مجانبتهم‏.‏ قال الجنيد‏:‏ دخلت على السريّ وهو يجود بنفسه فجلست وبكيت فسقطت دموعي على خده ففتح عينيه ونظر إلي‏.‏ فقلت‏:‏ أوصني قال‏:‏ لاتصحب الأشرار، ولا تشتغل عن الله بمخالطة الأخيار‏.‏

- ‏(‏هب عن أنس‏)‏ قال شكا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إليه فقالوا‏:‏ إن المنافقين يلحظوننا بأعينهم، ويلفظوننا بألسنتهم فذكره‏.‏ وفيه أبان ابن أبي عياش، قال الكاشف‏:‏ قال أحمد‏:‏ متروك، وفي الميزان عن شعبة‏:‏ لأن يزني الرجل خير من أن يروي عنه ما لا أصل له‏.‏

859 - ‏(‏إذا مررتم برياض الجنة‏)‏ جمع روضة وهي الموضع المعجب بالزهر سميت به لاستراضة الماء السائل إليها ‏(‏فارتعوا‏)‏ أي ارتعوا كيف شئتم وتوسعوا في اقتناص الفوائد ‏(‏قالوا‏)‏ أي الصحابة أي بعضهم ‏(‏وما رياض الجنة‏)‏ أي ما المراد بها ‏(‏قال حلق الذكر‏)‏ بكسر ففتح جمع حلقة بفتح فسكون وهي جماعة من الناس يستديرون لحلقة الباب وغيره والتحلق تفعل منها وهو أن يتعمد ذلك، قال الطيبي‏:‏ أراد بالذكر التسبيح والتحميد، وشبه الخوض فيه بالرتع في الخصب وذلك لأن أفضل ما أعطاه الله لعباده في الدنيا الذكر وأفضل ما أعطاهم في العقبى النظر إليه سبحانه‏.‏ فذكر الله في الدنيا كالنظر إليه في الآخرة فالذاكر له بلسانه مع حضور قلبه مشاهد له بسره ناظر إليه بفؤاده ماثل بن يديه ببدنه فكأنه في الجنة يرتع في رياض قال النووي‏:‏ كما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله وقد تظاهرت على ذلك الأدلة‏.‏

- ‏(‏حم ت هب عن أنس‏)‏ قال الترمذي حسن غريب اهـ وتبعه المصنف فرمز لحسنه‏.‏

860 - ‏(‏إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال مجالس العلم‏)‏ قال القرطبي أراد مجالس علم الحلال والحرام وقال الغزالي أراد مجالس علم الآخرة وهو العلم بالله وآياته وأفعاله في خلقه وقد تصرفوا فيه بالتخصيص فشهوده بمن يشتغل بالمناظرة مع الخصوم في المسائل فيقال هو العالم على الحقيقة وهو الفحل في العلم فكان سبباً مهلكاً لخلق كثير ثم إنه فسر الرياض هنا بحلق العلم وفيما قبله بحلق الذكر وفيما يأتي بسبحان الله إلخ ولا مانع من إرادة الكل وإنه إنما ذكر في كل حديث بعضاً لأنه خرج جواباً عن سؤال معين فرأى أن الأولى بحال السائل هنا حلق العلم وثم حلق الذكر‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ قال الهيتمي فيه رجل لم يسم‏.‏

861 - ‏(‏إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قيل وما رياض الجنة‏؟‏ قال المساجد قيل وما الرتع‏؟‏ قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر‏)‏ أي ونحوها من الأذكار ونص عليها اهتماماً بها لكونها الباقيات الصالحات وتنبيهاً بها ‏[‏ص 443‏]‏ على غيرها من الأذكار‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وتلخيص الحديث إذا مررتم بالمساجد فقولوا هذا القول، فلما وضع رياض الجنة موضع المساجد بناء على أن العبادة فيها سبب للحصول في رياض الجنة‏:‏ روعيت المناسبة لفظاً ومعنى فوضع الرتع موضع القول‏.‏ لأن هذا القول سبب لنيل الثواب الجزيل ووسيلة إلى الفوز النبيل‏.‏

والرتع هنا كما في قول إخوة يوسف‏{‏نرتع ونلعب‏}‏ وهو أن يتسع في أكل الفواكه والمستلذات والخروج إلى النزهة في الأرياف والمياه كعادة الناس إذا خرجوا إلى الرياض والبساتين ثم اتسع واستعمل في الفوز بالثواب الجزيل وقال غيره شبه حلق الذكر والعلم برياض الجنة لأنه تعالى وصف أهلها بأنهم يؤتون ما يشتهون فكذا حلقها يؤتيهم الله أفضل ما يعطى السائلين ولأنه سمى الجنة رحمة وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم في مجالس الذكر‏:‏ ما اجتمع قوم يذكرون الله إلا غشيتهم الرحمة ‏.‏الحديث‏.‏ فكما أن مجالس الذكر أماكن الرحمة فالجنة مواضع الرحمة ولأن أهل الجنة تطيب حياتهم وقلوبهم بقرب الله فأهل مجالس الذكر تطيب قلوبهم بذكر الله وقال بعض العارفين في الدنيا جنة هي كالجنة في الآخرة فمن دخلها دخل تلك الجنة يريد هذه المجالس لما يدركون فيها من سرور القلب وفرحة بذكر الرب وابتهاجه وانشراحه ونوره حتى قال بعض من ذاق هاتيك اللذة‏:‏ لو علم الملوك بعض ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف، وقال آخر‏:‏ إنه ليمر بالقلب أوقات إن كان أهل الجنة في مثلها إنهم لفي عيش طيب‏.‏ وكما حث الشارع على حضور حلق الذكر نفر عن مجالسة الكذابين ومجالس الخاطئين بقوله ‏{‏والذين لا يشهدون الزور‏}‏ فلا ينبغي حضورها ولا قريبها تنزهاً عن مخالطة الشر وأهله وصيانة لدينه عما يشينه لأن مشاهدة الباطل فيه شركة‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الدعوات ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وقال غريب‏.‏

862 - ‏(‏إذا مر أحدكم في مسجدنا‏)‏ أيها المسلمون فالمراد جميع مساجد الإسلام لا مسجده عليه السلام ‏(‏أو في سوقنا‏)‏ تنويع من الشارع لا شك من الراوي أي مسجد المسلمين أو سوقهم فأضاف إلى الضمير إيذاناً بالشرف ‏(‏ومعه نبل‏)‏ بفتح فسكون سهام عربية وهي مؤنثة ‏(‏فليمسك‏)‏ بضم أوله أي المار ‏(‏على نصالها‏)‏ حمع نصل حديدة السهم وعداه بعلى للمبالغة ‏(‏بكفه‏)‏ متعلق بقوله يمسك ‏(‏لا يعقر‏)‏ بمثناة تحتية بخط المصنف بالرفع استئنافاً وبالجزم جواب الأمر أي لئلا يجرح ‏(‏مسلماً‏)‏ أو غيره كذمي أو حيوان محترم وإنما خص المسلم اهتماماً بشأنه وقيل أراد بالكف اليد أي لا يعقر بيده أي باختياره مسلماً أو المراد كف النفس أي لا يعقر بكفه نفسه عن إمساكها أي لا يجرح بسبب تركه إمساك نصالها مسلماً‏.‏ وليس المراد خصوص شيء من ذلك بل أن لا يصيب معصوماً بأذى بوجه كما دل عليه التعليل وفي رواية البخاري، فليقبض بكفه أن يصيب أحداً من المسلمين منها شيء، وفي رواية لمسلم‏:‏ لئلا يصيب به أحداً من المسلمين وفيه تحريم قتال المسلم وقتله وتغليظ الأمر فيه وحجة للقول بسد الذرائع، وإشارة إلى تعظيم قليل الذنب وكثيره وتأكيد حرمة المسلم وجواز إدخال المسجد السلاح، وفي أوسط الطبراني‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقليد السلاح في المسجد والمعنى فيه ما مر ومحل النهي عن ذللك إن كان النصل غير مغمود ولا ينافي الحديث لعب الحبشة بالحراب في المسجد لأن التحفظ في صورة اللعب بالحراب يسهل بخلاف مجرد المرور فقد يقع بغتة فلا يتحفظ‏.‏

- ‏(‏ق ده عن أبي موسى‏)‏ الأشعري

863 - ‏(‏إذا مر رجال بقوم‏)‏ أي بجماعة ‏(‏فسلم رجل‏)‏ أهل لابتداء السلام ‏(‏من الذين مروا على الجلوس‏)‏ أي على ‏[‏ص 444‏]‏ من لقوهم والجلوس غالبي ‏(‏ورد من هؤلاء واحد‏)‏ أهل للرد ‏(‏أجزأ‏)‏ البادىء ‏(‏عن هؤلاء‏)‏ المارين ‏(‏و‏)‏ أجزأ الراد ‏(‏عن هؤلاء‏)‏ الجالسين لأن ابتداء السلام من الجماعة سنة كفاية والجواب من الجماعة فرض كفاية‏.‏ قال ابن بطال‏:‏ اتفقوا على أن المبتدىء لا يشترط تكريره السلام بعدد من سلم عليهم وأنه لا يجب الرد على كل فرد‏.‏ قال القاضي حسين‏:‏ ولا يجب رد السلام على من سلم عند قيامه من المجلس إذا كان سلم حين دخل وخالفه المستظهري فقال‏:‏ السلام عند الانصراف سنة قال النووي وهو الصواب‏.‏

- ‏(‏حل عن أبي سعيد‏)‏ الخدري ثم قال غريب‏.‏

864 - ‏(‏إذا مرض العبد‏)‏ المسلم أي عرض لبدنه ما أخرجه عن الاعتدال الخاص به فأوجب الخلل في أفعاله ويستعمل مجازاً في الأعراض النفسانية التي تخل بكمالها كجهل وسوء عقيدة وحسد لأنها مانعة من الفضائل مؤدية إلى زرال الحياة الحقيقية الأبدية والمراد هنا الحقيقية‏:‏ أي إذا مرض المؤمن وكان يعمل عملاً قبل مرضه ومنعه منه المرض ونيته لولا المانع إدامته ‏(‏أو سافر‏)‏ سفراً مباحاً ومنعه السفر مما قطعه على نفسه من الطاعة ونيته المداومة عليه وخصه بعضهم بما فوق مسافة العدوى واعترض ‏(‏كتب الله له‏)‏ أي قدر أو أمر الملك أن يكتب في اللوح المحفوظ أو الصحيفة ‏(‏من الأجر مثل ما كان‏)‏ أي قدر ثواب الذي كان ‏(‏يعمل‏)‏ حال كونه ‏(‏مقيماً‏)‏ وحال كونه ‏(‏صحيحاً‏)‏ لعذره في فوت ذلك النفل والعبد مجزي بنيته‏.‏ قال ابن تيمية‏:‏ وهذه قاعدة الشريعة أن من صمم على فعل وفعل مقدوره منه بمنزلة الفاعل فيكتب له ثوابه‏.‏ قال البلقيني وغيره‏:‏ وهذا مقيد بما إذا اتفق له ذلك ولم يعتده وبأن لا يكون سفر معصية وأن لا يكون المرض بفعله وقوله مقيماً هو ما في نسخ صحيحة من البخاري وشرح عليه شارحون قالوا فهما حالان مترادفان أو متداخلان ولف ونشر غير مرتب لأن مقيماً يقابل أو مسافراً وصحيحاً يقابل إذا مرض، وحمله ابن بطال على النفل فقط وتعقبه ابن المنير بأنه حجر واسعاً بل يدخل فرض شأنه أن يعمل وهو صحيح إ‏'‏ذا عجز عنه بالمرض فالقاعد في الفرض يكتب له أجر قائم‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ واعتراضه غير جيد لأنهما لم يتوارد قال وفي الحديث رد على قول المجموع أعذار الجمعة والجماعة تسقط الكراهة أو الإثم ولا تحصل الفضيلة اهـ وحمله بعضهم على متعاطي السبب كأكل ثوم‏.‏